لقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥ مع جماعة Taizé في لبنان

لقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥ مع جماعة Taizé في لبنان

لقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥ مع جماعة Taizé في لبنان

اللقاء الأول لقاء وطنيّ جامع (خبرات إنسانيّة عاشها أبناء الوطن الواحد خلال الحرب الأخيرة) (٣٠ نيسان)

اللقاء الثاني يوم تضامنيّ إنسانيّ مسكونيّ في الجنوب (١ أيار)

اللقاء الثالث المسكونيّ بين شبيبة من كلّ الكنائس (٣ أيار)

إستكمالاً للمسيرة المسكونيّة التي تُوِّجَت عام ٢٠١٩ بـ “اللقاء المسكونيّ العالميّ للشبيبة” الذي استضافه كلّ من كنائس لبنان ومجلس كنائس الشرق الأوسط مع جماعة Taizé المسكونيّة الفرنسيّة، والذي اجتمع خلاله حوالي ١٦٠٠ من الشبيبة من مختلف كنائس لبنان والعالم، فضلاً عن شبيبة من مختلف الطوائف الإسلاميّة ضمن فعاليات هذا اللقاء للاحتفال بالعيد الوطنيّ لبشارة العذراء مريم،

وبمبادرةٍ ودعوةٍ من مكتب راعويّة الشبيبة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة وبتنظيمٍ مشتركٍ مع مكاتب الشبيبة ولجانها من كلّ كنائس لبنان وبمباركة إخوة جماعة Taizé وحضورهم،

اللقاء الأول لقاء وطنيّ جامع (خبرات إنسانيّة عاشها أبناء الوطن الواحد خلال الحرب الأخيرة) (٣٠ نيسان)

انعقد اللقاء الأول من لقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥، وهو لقاءٌ وطنيٌّ جامعٌ، مساء يوم الأربعاء ٣٠ نيسان ٢٠٢٥، في مسرح دير سيّدة اللويزة – ذوق مصبح، بعنوان: “كَسْرَة فَتحَة ضَمَّة”، بهدف جمع إخوةٍ من مختلف الطوائف والمذاهب لتسليط الضوء على الخُبرات الإنسانيّة المُميَّزة والإيجابيّة التي عاشها اللبنانيون مع بعضهم البعض برغم الاختلافات الثقافيّة والعقائديّة والسياسيّة والاجتماعيّة وغيرها، خلال الحرب الأخيرة، تعزيزًا لفكرة التعاضد والتضامن الإنسانيّ. وقد تضمّن اللقاء كلمات وشهادات حياة وأفلام وأدعِيَة سنيّة وشيعيّة ودرزيّة وعلويّة وبهائيّة، فضلاً عن قراءات وتراتيل روحيّة مسيحيّة.

استُهلّ اللقاء بالنشيد الوطني اللبنانيّ كاملاً. ومن ثمّ، كانت كلمةٌ ترحيبيّةٌ مع د. كاتي نصّار، دكتوراة في الدراسات الإسلاميّة المسيحيّة، منسّقة اللقاء، رحّبت فيها بالحضور وقدّمت عنوان اللقاء بما يحمله من معانٍ عميقة: “كَسْرَة فَتحَة ضَمَّة”، سوا منحرِّك الكلمة. “الكَسْرَة” = الألَم الذي عاناهُ اللبنانيون في الحرب والظلم الذي تعرّضوا له. “الفَتحَة” = أُفُق التلاقي الإنسانيّ الوطنيّ الجميل الذي فُتِحَ بين اللبنانيين من كلِّ الفئات بفعل الحرب. “الضمَّة” = تبادُل المحبَّة بين أبناء الشعب، بين الإخوة، الجميع قد ضمّوا بعضهم البعض في المحبَّة. وختمت كلمتها قائلةً: “أهلا فيكن من جديد، ويلّا نحرِّك الكلمة!”.

الشيخ مروان الميس (كلمة)

تلتها كلمةٌ للشيخ مروان الميس (من الطائفة السنيّة) الذي استشهد بالآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، ليُشدِّد على أهميّة المساواة الإنسانيّة التي تجمعنا كلّنا “الناس”، فحكمة الله أن نكون شعوبًا وأفضلها عند الله عندما تكون على حسن الخلق، التُقى، الطُهر، فنصف الدين هو المعاملة، فنصيب الإنسان في العبادة هو له. كما واستشهد بكلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) عندما قال: “الناسُ صنفان إمّا أخٌ لك في الدين وإمّا نظيرٌ لكَ في الخلق”، فانظر إليه من ناحية الخلق، فهو يشبهك في الخلق إن لم يشبهك في الدين، فليس هناك إي تمييز بينك وبينه. وأضاف بحديثٍ عن النبي ﷺ قال: “لا يؤمنُ أحدُكُم حتّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ”. “قد لا يكون هذا الأخ شبيهًا له في الدين، بل شريكًا له في الحياة، في المعاملة، في الإنسانيّة، ليس بالضرورة أن يرتبط الأخ بالدم، فكلنا لدينا أخوات وإخوة من جميع الطوائف. وختم كلمته قائلاً: “نحن علينا أن ندرك جميعًا من خلال هذه الكلمة، أن تكون أفعالنا كأقوالنا وليس العكس لا أن نقول ما لا نفعل..”.

السيّدة رُقيّة فقيه والسيّدة مُنتهى جبرايل (خبرة إنسانيّة)

وبعد الكلمة، شاركت كلّ من السيّدة رُقيّة فقيه والسيّدة مُنتهى جبرايل خبرتهما الإنسانيّة التي عاشتاها خلال فترة الحرب الأخيرة. بدأت رُقيّة كلمتها بتأثُّرٍ كبيرٍ قائلةً: أنا رُقيّة فقيه من جنوب لبنان النبطيّة.. سأتحدّث من القلب إلى القلب. في أكثر الأيام في حياتي التي عشت فيها الوجع والألم والحزن، أكثر الأيام رُعبًا، انطلقتُ بأولادي في سيارتي من الجنوب تحت صوت الصواريخ، مشيت ولم أكن أعرف إلى أين! كنت أعلم فقط أنّ ابنتي أسيل في فرنسا، تعرّفت على جويل، ابنة مُنتهى، في Taizé. اتصلَت بي لأنّها كانت مرتعبةً للغاية، وقالت لي ماما سأتحدّث مع أُمّ صديقتي في لبنان لتبحث لكم عن منزل. وانطلقتُ في السيارة على هذا الأساس. وصلتُ إلى منطقةٍ شعرتُ فيها بتعبٍ شديدٍ فنزلتُ من السيارة، وكنت أقول للرَّبّ: “يا ربّ سهِّل لي أموري”، عندها تفاجأتُ بِمُنتهى وهي لا تعرفني، بل كانت تعرف أنّها تبحث عن منزل لأُمّ أسيل، من دون أن تعرف من هي أُمّ أسيل.. وقفَت إلى جانبي، وقالت لي: “أنتِ أُمّ أسيل؟”، فأجبتُها بِنَعم، كيف عرفتي؟ فأجابتي: “شعرتُ بذلك في قلبي”. وطلبَت منّي أنا أسير وراءها وعندما وصلنا إلى منزلها، قالت لي: “لن أبحث لكِ عن منزل، فمنزلنا هو منزلك”. دخلتُ إلى منزلها، لم تسألني من أنتِ؟ أو من أين أنتِ؟.. أو ما هو انتماؤك؟ أكلنا في الصحن نفسه، وشربنا على الطاولة نفسها. وفي اليوم التالي، عندما سقط منزلنا وتهدّم بكَت معي، أنا أبكي وهي تبكي. وعندما ماتوا رفاقي، أنا أبكي وهي تبكي. عندها تأكّدتُ حقيقةً، وأود أن أقولها من كلّ قلبي، أنّ الله محبّة، لأنّ ما جمعنا هو المحبّة، لأنّها لم تعرف مَن أنا أبدًا، لاحقًا أخبرتها أنّني، الدكتورة رُقيّة فقيه في الجامعة اللبنانيّة، إلخ. وهي لم تسأل. لم يكن همّها أن تسأل: من أنتِ؟ بل كان همّها أن تقف إلى جانبي فقط، وهذه هي المحبّة. هذا هو الدين، الدين ليس شعارات أو كلمات مكتوبة في الكتب. الدين هو ما فعلَته مُنتهى معي. وأنا أشكرها من كلّ قلبي، مع أنّها طلبَت منّي ألّا أشكرها. لكن الرَّبّ يقول: ﴿ ..لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.. ﴾. ثمّ شاركَت مُنتهى خبرتها وفي عينيها دمعة التأثُّر قائلةً: “يسوع يقول كنتُ غريبًا فأويتموني. لم يقل لنا في مرّة من أنتم، من نقابل ومن لا نقابل، قال كنتُ غريبًا. وهم كانوا يسوع بالنسبة لي. يقول جبران خليل جبران: “لا تخبرني عن دينك، بل أرني دينك”. ونحن في هذه الحرب القاسية التي عرّفتنا على بعضنا، في هذا الوقت الذي عشناه معًا، لم نخبر بعضنا مرّةً عن ديننا. لم أحاول مرّةً أن أُخبرها ما هي المسيحيّة. وهي لم تحاول مرّةً أن تخبرني ما هو الإسلام. لكن الذي اكتشفته أنّنا أنا ورُقيّة ننتمي للدين نفسه. ديننا واحد، حتّى لو كان كلّ واحدٍ منّا يُصلّي بطريقةٍ مختلفة. فنحن ننتمي لدين المحبّة”.

الشيخ علي عاصي (كلمة ودعاء)

بعد ذلك، كانت كلمةٌ ودعاءٌ للشيخ علي عاصي (من الطائفة العلويّة)، قال فيها: أقف أمامكم اليوم في هذا اللقاء الوطنيّ الجامع على منبر دير سيّدة اللويزة وفي قلبي حديثٌ وفي عيناي دمعةٌ وفي قلبي رجاء. فحين طلب مني الإخوة المنظّمون الكرام أن أقول كلمةً عن الحروب ودعاءً لله.. وقفتُ حائرًا، أمسكتُ قلمي وفتحتُ دفتري وما عسايَ أكتب وما عسايَ أقول وأنا من رأت عيناهُ الحرب في أزقّتها، وسمعَت أُذناه صراخ الأطفال تحت الركام. عايشنا الحروب جميعها. فأنا مِن مَن هرّب أولاده من نيرانها وجنون جولاتها، أبي في الثمانينات هرّبه أبوه من قذائف الحرب، وجدّي هرّب أبي. ومن يعلم إن كان ابني مستقبلاً سوف يُهرّب حفيدي! إنّنا نتوارث الحروب كما نتوارث العادات. ولكن إلى متى سنبقى نغذّي صغارنا على قصص الدم والدمار بدلاً من أن نغرس فيهم حبّ الحياة والوطن! أيّها الأحباء، قادمٌ إليكم من مدينتي الحبيبة طرابلس المظلومة، جبل محسن وباب التبّانة. وبعد عشرات جولات القتال، أدركوا أنّ السِلم الأهليّ والعيش المشترك هو أفضل ممرٍّ لحياةٍ كريمة، وتبديل لغة التحريض والكراهية بلغة العقل والحكمة والحوار البنّاء والتواصل الإيجابيّ الذي يبني الأوطان… نحن كرجال دينٍ مسلمين ومسيحيين وقادةٌ وقاداتٌ دينيين نرفع الصوت عاليًا ونسأل: إلى متى سيُقتل الأب وتُيتّم الطفلة وتُهجَّر الأُمّ وتُخرب البيوت؟ ويقف الساسةُ يتجادلون ويتقاسمون فوق الركام. الحرب يا إخوان هي قتلٌ لكل المعاني التي أنزلها الله في كتابه العزيز… ألَّلهُمَّ يا أرحمَ الراحمين يا مَن خلقتَ الأرضَ وجعلتَها مهدًا للسّلام، كما قالَ السيّدُ المسيحُ (عليه السّلام): سلامًا أتركُ لكم سلامي أعطيكُم. فالسلامُ هبةٌ إلهيّة. ألَّلهُمَّ يا مَن بيدهِ مفاتيحَ القلوب، إجعل مفاتيحنا للسّلام مغاليق للفتنة. ألَّلهُمَّ أطفِئْ نار الحرب من صدورنا واجعلنا ببركةٍ منك دُعاة سلامٍ ومحبّةٍ ووئام. ألَّلهُمَّ مُنّى علينا بتوحيد الكلمة ووحدة الصف وصفاء القلب وجمال الروح. ألَّلهُمَّ اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا، واكفهِ يا ربَّ العالمين شرَّ الحروب والإرهاب والتكفيريين بحق الآل المعصومين. ألَّلهُمَّ احمِ جيشنا اللبنانيّ البطل والمؤسسات الأمنيّة الساهرة على أمن الوطن والمواطن. ألَّلهُمَّ آلِف بين القلوب يا علّام الغيوب. ألَّلهُمَّ اجعل لنا من كلّ ضيقٍ مخرجَ ومن كلّ فتنةٍ سلامَ ومن كلّ حربٍ آمانَ. ألَّلهُمَّ، آمين والحمد للهِ ربِّ العالمين.

الشيخ ربيع القبيسي (خبرة إنسانيّة)

بعدها، شارك الشيخ ربيع القبيسي (من الطائفة الشيعيّة) خبرته الإنسانيّة التي عاشها خلال الحرب الأخيرة قائلاً: سأحاول في هذا الوقت الضيق أن أوصل الخبرة التي عشتها خلال هذه الحرب الأليمة التي مرّت علينا. جئتُ اليوم من مدينة صور من جنوب لبنان، رغم الألم والدمع، ولكن حاملاً معي بركة كنيسة سيّدة البحار وكنيسة مار توما الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، وكلّ أبناء الله الموجودين في هذه المدينة، لأقول لكم أنّ الحرب صعبة، فيها دمعةٌ وفيها حزنٌ وفيها غصّةٌ وفيها تعبٌ نفسيّ وجسديّ. ولكن في لحظة اندلاع هذه الحرب القاسيّة، كان لدي خيارٌ إمّا أن أُطبِّق الكلام الذي أتحدّث به وأعظُ به وأُخبر به طلّابي في الجامعة وإمّا أن أتخذ قرارًا آخر بأن أجلس إلى جانب زوجتي وأولادي. ولكن خياري كان أن أكون إنسانًا بالطريقة التي أراها. فأخذتُ على عاتقي أن أقوم بالعمل الإنسانيّ من خلال تجهيز الشهداء الذين كانوا يرتقون في هذه المنطقة.. لقد كانت مشاهد أليمة، لكن الله كان يوفّق لنتمكّن من عبور هذه المرحلة. غير أنّ الخبرة التي كانت الأصعب، بعد أن تمّ قصف مركز الدفاع المدنيّ اللبنانيّ في ضيعةٍ صغيرةٍ اسمها دردغيا، والتي تحوي أناسًا من أهلنا المسلمين الشيعة والمسيحيين، هي أنّه من ضمن الشهداء الذين ارتقوا كان الشهيد جوزيف البدوي، لم يكن أهله موجودين، إنّها لحظةٌ صعبة، ومحطةٌ ليست بالسهلة. وكان التواصل عبر الهاتف. لم يكن باستطاعة الأهل الوصول، وكان لدينا الخيار بأن نجهّز هذه الروح التي لا تزال ترانا، صحيحٌ أنّ جسده ارتقى لكن روحه لا زالت ترى. تواصلتُ بالطبع مع أبونا ماريو الذي كان باقٍ معي في مدينة صور، وحاولتُ قدر المستطاع أن آخذ هذا الجثمان، وبما أن العادات والتقاليد ربما تختلف من طائفة لأخرى.. حاولتُ أن أسأل عن ذلك… وساعدتُ في تجهيزه ووضعته في النعش وأخذته إلى الكنيسة وأقام عليه الأبونا الصلاة تحت الخوف والقهر والدمع.. لكن المشهد المحزن أنّ كلّ شخص يكون مقتنعًا بأنّ هناك لحظةٌ سينتقل فيها من هذه الدنيا ولكن يكون مطمئنًا من أنّ حوله أحدٌ من أهله ومن أحبابه. ربما لم يكن أهل جوزيف إلى جانبه ولكنّنا كنّا نحن نحاول أن نكون أهله. إنّ هذه التجربة بالتأكيد كما تعتصر في قلبي، تعطيني رسالةً في الوقت عينه وهي أنّ الإنسان في محطةٍ من المحطات هو إنسانٌ مهما كان الاختلاف في المعتقد والدين. غالبًا ما نتحدّث عن الأديان السماويّة، في الأديان السماويّة وغير السماويّة كلّ شخصٍ خلقه الله هو إنسانٌ يمتلك هذه الروح الإنسانيّة وحقّه أن يعيش كإنسانٍ ويحيا بكرامةٍ كإنسان. إنّ هذه الحرب جعلتنا نتأكّد أكثر بأنّنا كلّنا في هذا البلد نشبه بعضنا البعض، وكلّنا نحبّ بعضنا البعض، ولسنا بحاجةٍ إلى أن تحدُث أزمات لكي نلتقي مع بعضنا البعض. إنّ عائلتي وأولادي كانوا في مكانٍ ربما لا يشبههم من الناحية الدينيّة ولكنّه يشبههم كثيرًا من الناحية الإنسانيّة. في آخر يومٍ من الحرب، دُمِّرَ منزلي لكن دير مار مارون كان منزلاً ثانٍ لنا. بقينا فيه شهرًا إلى أن جهّزنا أنفسنا. فلم يكن لدينا أي خجل من نشارك هذه الحياة التي يجب أن نعيشها بشكلها الطبيعي.. نحن كلّنا إخوةٌ في الدين وإن اختلفنا بالعناوين لأنّه كلّه مؤدّى واحد وكلّها رسالةٌ واحدة. هذه التجارب تعلّمنا كشعب لبنان وكشبيبة تحديدًا، أنّه يجب أن نعرف مجدّدًا كيف علينا التمسُّك بهذه المبادئ. ألّا نكتفي برفعها فقط كشعاراتٍ والفرح بها وأخذ صورةٍ وينتهي الموضوع. عندما نحيا الحقيقة، رأينا هذا النموذج الرائع كانوا يحيون الحقيقة، فعل إيمانٍ حقيقيّ. هذا فعل الإيمان الحقيقيّ يجعلنا نلتقي ونكبر أكثر، ويجعلنا نتجاوز كلّ الاختلافات السياسيّة وغيرها إن كان في البلاد أو خارجها. لذلك، دعونا ننظر بروح الإنسانيّة، ربما هذه تجربةٌ من تجاربٍ كثيرة مرّت خلال الحرب الأخيرة، أصعبها الأطفال الذين وصلوا بثياب النوم جثثًا هامدة، كمشاهد واقع لا يستطيع أن يتحمّلها إنسان إلّا إذا كان لديه إيمان. وأنا أشكر جماعة Taizé الذين كانوا يُصلّون من أجلنا خلال هذه الفترة.. بالإضافة إلى كثيرٍ من الأحباء… الذين كانوا يُصلّون من أجلي من كلّ قلبهم. وقد زارني الأخ ماثيو (رئيس الجماعة) والأخ جوني في مدينة صور وشكروني على هذا الفعل، فشعرت بالخجل فما فعلته لا يوازي التضحيات الكبيرة التي كان الناس يتشاركونها مع بعضهم البعض. هذه الروح الإنسانيّة التي تجمعنا دائمًا يجب أن نحافظ عليها في كلّ الظروف وكلّ المحطات، رسالتنا واحدة وعنواننا واحد، إذا كانت قلوبنا على بعضنا البعض، سنحبّ بعضنا البعض ونَحِنُّ على بعضنا البعض…

الشيخ فاضل سليم والشيخ نظام بو خزام (كلمة ودعاء وشهادة)

لاحقًا، كانت كلمةٌ ودعاءٌ للشيخ فاضل سليم (من الطائفة الدرزيّة) قال فيها: أنا لا أُريد أن أتحدّث عن الحرب بل عن الأمل الموجود فينا، الأمل في هذا البلد، الأمل عندما أرى هذا الاجتماع الإسلاميّ المسيحيّ ونضع يدنا بيد بعضنا البعض ونتعاون لما فيه خيرٌ لنا جميعًا. والأمل بالله سبحانه وتعالى كبيرٌ إذا لجأنا إليه وطلبنا منه وتقرّبنا منه، فيُعطينا القوّة والمحبّة وهكذا يمكننا أن نبني أملاً جديدًا ولبنانًا جديدًا. ثمّ قرأ دعاءً من كتاب “ربّي تقبّل دعائي” من إعداده، استهلّه ببعض الكلمات من مقدّمة الكتاب: إعرف أيّها العاقل أنّ الاهتمام بحياة قلبك أبدى من الاهتمام بحياة جسدك، لأنّك إذا كنت تبحث عن السعادة بمعناها الحقيقيّ، فاعمل على إحياء قلبك وفكرك بذكر الله تعالى.. فبذكره تهون المصاعب والمصائب ويصبح القلب ضاحكًا ومسرورًا…. ومن ثمّ، شرح معنى الدعاء، قال: إنّه تعبيرٌ عما في مكنون القلب، وكلما صفى القلب وصلُح العمل كان الدعاء أكثر إستجابة. بعدها، قرأ دعاءً من سيّدنا آدم (عليه السّلام): ألَّلهُمَّ إنّك تعلمُ سِرّي وعلانيّتي فاقبَل معذرتي، وتعلمُ حاجتي فاعطني سؤلي، وتعلمُ ما عندي فاغفر لي ذنوبي. ألَّلهُمَّ أسألُك إيمانًا يُباشِرُ قلبي ويقينًا صادقًا حتّى أعلمَ أنّه لن يُصيبَني إلّا ما كتبَهُ عليَّ والرضا والتسليم بما قسمتَهُ ليَّ يا ذا الجلالِ والإكرام. وبعد ذلك، سرد الشيخ نظام بو خزام قصةً عاشها خلال الحرب الأهلية بين الدروز والمسيحيين في منطقة الشوف بعد مقتل الزعيم الوطنيّ كمال جمبلاط، حيثُ خُطِف هو شخصيًّا من قبل شخصٍ مسيحيّ كان مارًّا بسيارته على الطريق، وكان عمر الشيخ نظام آنذاك ١٧ عامًا، فهدَّده بالسلاح وبالتعذيب فالموت. لكنّه استطاع الهروب منه بمعجزة. وبعد الصلحة التي تمّت، كان لديه متجرٌ لبيع الألعاب والهدايا، فدخلَت إليه امرأةٌ مع ولدها الصغير البالغ من العمر ٤ سنوات من دير القمر. وبينما كانت تختار لعبة، جاء إليه الولد وقال له: يا عمّ، هل أنتَ شيخٌ درزيّ؟ أجابه الشيخ بالإيجاب. فقال له الولد: ذلك يعني أنّك ستذبحُني! فتأثّر الشيخ بهذا الكلام كثيرًا، وتلبّكت الأُمّ وأسقطت من يدها اللعبة وكانت تهمّ بالخروج. فأوقفها الشيخ وقال لها: نحن يجب أن نتحمّل مسؤوليّتنا. ففي الحرب التي مرّت بيننا كلّنا خسِرنا ولم يربح منّا أحدٌ. وإذا أردنا أن نبقى بهذه العقليّة فليختر كلُّ واحدٍ منّا دولةً له يذهب ويعيش فيها، لأنّ لبنان لا يعيش إلّا بتنوّعِه. وهو غنيٌّ بتنوّعِه. اسمحي لي يجب أن تتحمّلوا مسؤوليّة تربيتكم ويجب أن تتحدّثي مع الولد. ثمّ نزل إلى مستواه وقال له: الدرزي يُحبُّكَ ويُقبِّلُكَ ويحضنُكَ. فقبّله الولد بدوره وغمره، عندها حمله الشيخ وقدّم له هدية، ولم يقبل باعتراض الأُمّ. أتمنى أن أتعرف على هذا الطفل الذي أصبح شابًا يومًا ما. وبعد أن أعطيته الهدية ورحلا، جلست يومها ٧ ساعات في المتجر وقرَّرت أن أؤسّس جمعية “البيت اللبنانيّ للبيئة” التي تعمل منذ ١٩٩٧ على موضوع البيئة والمواطنة والعيش معًا. وكانت أول ورشة عمل في برمانا بعنوان “متنوّعون متشاركون”، حيثُ دخل المشاركون إليها أعداء وخرجوا أحباب. وختم شهادته قائلاً: ما أودّ قوله أنّه يجب علينا أن نتحدّث لنُعيد السلام لقلوبنا وليس الحرب لعقولنا. وبدلاً من أن نرُدّ الظلم بالظلم، نرُدّه بالخير والإنسانيّة. والمشكلة أن الكلام ليس لكم بل لمن يُقاتلون. لأنّنا رسل سلام ورسل محبّة. نحن متمسكين ببعضنا البعض ومن دون بعضنا البعض لا نستطيع العيش…

سامر مسلماني (كلمة ودعاء)

من ثمّ، كانت كلمةٌ للأستاذ سامر مسلماني (من الديانة البهائيّة)، جاء فيها: اليوم نودّ أن نتحدّث عن تجربتنا نحن كأفرادٍ بهائيين في الحرب التي نعيشها اليوم في لبنان والأوضاع. سنشارك أنا وصديقتي بهيّة بخبراتنا. إنّ المعاناة الناتجة عن الصراعات لهو أمرٌ مكلفٌ للغاية. ومن المؤكّد أن كلّ صاحب ضميرٍ حيّ يتألّم من مثل هذه الأحداث.. أكّد ابن حضرة بهاءالله مؤسِّس الدين البهائيّ مرارًا وتكرارًا عن الحاجة البشريّة للسّلام العالميّ. وفي أحد المناسبات، أشار حضرته إلى الحرب باعتبارها أعظم كارثةٍ في العالم البشريّ. ما هو نوع الردّ الذي يمكن اعتباره مناسبًا في مواجهة هذا الدمار للحياة البشريّة؟ إنّ الرأي العام، وخاصّةً ذلك الذي يتمّ التعبير عنه عبر الإنترنت، يميل إلى إعطاء أعلى قيمةٍ للتعبير عن الغضب والتكلّم بجرأةٍ وصراحة. وتُعطى كذلك أهميّةٌ خاصّة للتحدّث علنًا عن الصراعات والأزمات الإنسانيّة المرتبطة بها من خلال إصدار هذا النوع من التصريحات العامة التي تُلقي باللوم على الحكومة أو كيانٍ سياسيّ واحدٍ وآخر وتُدينه. إنّ الاهتمام الصادق المخلص حيال المعاناة البشريّة لابدّ أن يدفع بقوّة إلى بذل جهدٍ متواصلٍ إلى بناء جامعات تبعث الأمل بدلاً من اليأس والوحدة عوضًا عن الصراع. يقوم البهائيّون بطبيعة الحال بكلّ ما في وسعهم لتقديم المساعدة الإنسانيّة لمن حولهم. إنّ حلّ الخلافات المتأصّلة في المجتمع يتطلّب الصبر لإحداث تحوّلٍ اجتماعيّ عميق من خلال تطبيق المبادئ الأخلاقيّة والروحانيّة. إنّه يستدعي جهدًا مستمرًّا ومتَّسِمًا بالتضحية. كلّ فردٍ يمتلك القوّة والقدرة ليطّلع بدوره في تطهير قلبه وثقل مرآة فؤاده من غبار التعصّبات من جهةٍ وفي إيجاد الأوضاع الاجتماعيّة من أجل السّلام والوحدة من جهةٍ أُخرى. تأمّلوا في كلمات حضرة بهاءالله: انشغلوا في جميع الأحوالِ بما هو سببُ راحةِ واطمئنانِ الخلق. ينخرط البهائيّون أيضًا في مشاريع العمل الاجتماعيّ التي يمكن من خلالها وبطرقٍ عديدة معالجة القضايا المتعلّقة بالسّلام والعدل والاتحاد بشكلٍ عمليّ. وختم كلمته بدعاءٍ مصوَّرٍ تمّ عرضه على الحاضرين بعنوان “مناجاة من حضرة بهاءالله “أي ربّ طهّر أُذني””: أي ربّ طهِّر أُذني لاستماع آياتِك ونوِّر قلبي بنورِ عرفانِك، ثُمّ اَنطِق لساني بذكرِكَ وثنائِك، فوعزتِكَ يا إلهي لا أُحِبُّ سواك ولا أُريدُ دونِك.

الأب إدوارد جبران الساليزيانيّ – دير دون بوسكو الحصون – جبيل – لبنان (كلمة وفيلم)

بعد ذلك، كانت كلمةٌ للأب إدوارد جبران (من الرهبنة الساليزيانيّة في الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة)، شارك فيها خبرته مع العائلات النازحة التي لجأت إلى ديرهم، ومن بين تلك العائلات فرح وعبّاس شخصان أرسلهما الربّ إليهم، فقال: لقد أصبحا جزءًا من أصدقائي وعائلتي وأصبحتُ أنا بدوري جزءًا من أصدقائهم وعائلتهم. فقد أعطتني فرح قصّةَ رجاء. ففي أوّل يومٍ رأيتها، كانت واقفةً على جنب وهي تبتسم وتقول لي أبونا لقد سقط منزلي أو قُصِف والابتسامة على وجهها وقد استغربتُ ذلك! ونحن في الكنيسة الكاثوليكيّة نحتفل بيوبيل الرجاء.. استغربت وهي تقول لي أنا رأيت الدمار والابتسامة على وجهها! وقالت لي: أنا عرفت ما هو الكنز الحقيقيّ. فعندما كان أولادها حولها في السيارة وتسير والقصف وراءهم، اكتشفت أنّ الحياة هي الكنز الحقيقيّ. الروح التي هي من الله هي الكنز الحقيقيّ. فرح وعبّاس شخصان طيّبان للغاية.. في أحد الأوقات، دخل عبّاس إلى الكنيسة حيثُ كان هناك صلاة، وقال لي: شعرتُ في وقتٍ من الأوقات وأنا في الصلاة من دون فهم كلّ ما يحدث فيها أنّ الحرب توقّفَت. تخيّلوا! الحرب توقّفت في وقت الصلاة! وأنا الأبونا الذي أُصلّي كلّ يومٍ وفي فمي كلمة الله، وقريبٌ من المذبح كثيرًا، سألتُ نفسي: هل أنا قريبٌ من الله مثل قربي من هذا المذبح ومثلما فعل عبّاس؟ لقد توصل عبّاس إلى أن يحدّثني هو أيضًا عن معتقداته والأمور الجميلة لديه. وتعلّمت الكثير. وهو ممّا سمعه عندنا تعلّم الكثير أيضًا. أنا أشكر الرَّبّ حقيقةً لأنّه أرسل إلينا أناسًا عرّفوني أكثر على الله، وأعطوني رجاءً أكثر ولم يكونوا من ديني بل من دينٍ آخر.. لأنّهم مخلوقين من الله، وما يُميّزنا ربما أمورٌ سنفهمها فيما بعد، إذا فهمناها!… أتمنى أن تصلّوا لهذه العائلة ولكلّ عائلة كانت معنا، ١٠٠ شخص أرسلهم الله لنا نعمةً، وانكسرت الحواجز. هم كانوا يظنّون أنّهم سيأتونا إلينا وتحدث أمور! ونحن كنّا نظنّ أنّهم سيأتون إلينا وتحدث أمور! ولكن انقلبت الموازين… فأحد الإخوة لم يكن مُرحِّبًا بهم في بادئ الأمر، لكنّه بدّل كلّ فكره ورأيه في اليوم الثاني لوصولهم، عندما رأى طفلاً صغيرًا يرتدي قميصًا صيفيًّا في هذا الطقس، فقام بحملة جمع ملابس شتويّة لهذه العائلات. لقد حدث تحوّلٌ حقيقيّ لأنّ ما يُفرِّقنا كان خدعةً كبيرة، وما زلنا مخدوعين. وبعد الكلمة، تمّ عرض فيلمٍ قصيرٍ عن هذه الخبرة المعاشة مع هذه العائلات وبخاصة مع فرح وعبّاس.

الأب نعمة صليبا (كلمة وفيلم)

ثمّ، كانت كلمةٌ للأب نعمة صليبا (من الكنيسة الأرثوذكسيّة)، منسّق اللقاء إلى جانب د. كاتي نصار، قال فيها: اسمي الأب نعمة صليبا من تجمّع الصداقة اللبنانيّ للحوار الإسلاميّ المسيحيّ، سنشاهد فيلمًا مدّته 5 دقائق عنوانه “لأنّه إنسان” وهو موجودٌ على الفايسبوك. إنّها مبادرةٌ قمنا بها في جامعة القدّيس يوسف، معهد العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة، لنرى قيم المحبّة والأخوّة والشهامة والرحمة أين ذهبت وما حدث لها وقت الحرب ووقت الشدّة كيف تعامل الناس مع بعضهم البعض. عملنا لمدّة سنةٍ لنجمع قصصًا من الكثير من الناس. لنرى كيف أنّ إنسانٌ خلّص حياة إنسانٍ آخر. هل هذا الأمر صحيح؟ ولماذا فعل ذلك؟ لذلك كان فيلم “لأنّه إنسان”. هذا الفيلم مع القصص التي سمعناها، سيساعدوننا في القيام بتنقيةٍ للذاكرة وبمصالحةٍ عميقةٍ مع الإنسان، مع ذاته، مع روحانيّته، لنستطيع أن نخرج إلى فضاء المجتمع، ونعيد تأسيس لبنان على هذه القيم والثوابت التي تجعل من لبنان حقيقةً بلد الرسالة آمين. وبعد هذه المقدّمة، تمّ عرض فيلم “لأنّه إنسان”.

السيّد محمد الأمين (كلمة ودعاء)

بعد الفيلم، كانت كلمةٌ للسيّد محمد الأمين (من الطائفة الشيعيّة)، قال فيها: باسم الله له المجدُ وله الحمد، بدايةً السّلامُ عليكم. أنا من دينٍ تحيّته السّلامُ عليكم رغم أنّ بعض الظروف حوّلته أو أخذته إلى أن تتحوّل تحيّته إلى السلاحُ عليكم! وعلى الرغم من ذلك، سنبقى متمسّكين بالسّلامُ عليكم والسّلامُ لجميعكم.. سأتطرق إلى أنّ بعض القصص التي حدثت نتيجة الحرب الكارثة التي تعرّض لها لبنان، كأنّ البعض اكتشف أنّنا نحبّ بعضنا البعض من جديد. لا يجب علينا أن نعاود بعد كلّ مرحلةٍ من الحرب نعاود اكتشاف أنّ المسلم يحبّ المسيحيّ والمسيحيّ يحبّ المسلم. هذه الطبيعة الإنسانيّة، وهذا مطلب وطنيّ ودينيّ في الأصل المحبّة لأنّ الله محبّة. يُقال وهل الدينُ إلّا الحبّ؟ هو سؤال مع إيجابة لأنّ الدين هو حبّ. فلا يجب أن ننتظر الإشكاليات والحروب لنكتشف هذا الأمر. هذا يأخذنا إلى أنّ المطلوب منّا ألّا نتحدّث فقط عن العيش المشترك. لنكُن واقعيين نحن بحاجة إلى العيش معًا بوجدانٍ متشارك. قد يتمّ العيش المشترك، وقد يتحوّل إلى شعارات تُستخدم أصلاً في مواقع سياسيّة. نحن بحاجةٍ إلى وجدانٍ متشارك لبنانيّ إسلاميّ مسيحيّ ومن كلّ الطوائف الموجودة. وأودّ أن أختم بالقول أنا أعبّر عن نفسي وأغلبكم كذلك الأمر بأنّ الأديان هي دعوة إلى المحبّة. ولذلك، شعارنا هو ولن نرضى بغير الحبّ دينًا. لأنّ كلّ الأديان وكلّ الدعوات الإنسانيّة هي محبّة. وختم بدعاءٍ: ألَّلهُمَّ أنتَ أمرتَ بالدعاء وضمنتَ الإيجابة. ألَّلهُمَّ إنّ ندعوك نواصينا بيدك، وأنتَ ربُّنا وخالقُنا، ونحن عبادُك. ألَّلهُمَّ اغفِر لنا خطايانا، واجمَع على الحقِّ كلمتَنا، وآلِّف بين قلوبِنا وآمِنّا في أوطانِنا، ولا تُسلِّط علينا مَن لا يرحُمنا. ألَّلهُمَّ أصلِح شؤونَنا ويسِّر أمورَنا، وأبعِد عنّا الفتَن ما ظهرَ منها وما بطَن. يا أرحَمَ الراحمين، ألَّلهُمَّ آمين.

السيّدة بهيّة طحّان (خبرة إنسانيّة)

وبعد ذلك، كانت خبرةٌ للسيّدة بهيّة طحّان (من الديانة البهائيّة)، جاء فيها: أنا بهيّة طحّان لبنانيّة مغربيّة الأصل.. أنا سعيدةٌ جدًّا لأنّها المرّة الأولى التي أشارك فيها في هكذا لقاء. شكرًا لكم على الدعوة. نرغب في مشاركتكم ببعض الصور من الأنشطة التي نشارك فيها في المجتمع اللبنانيّ. في معرض كلماتكم، راودني السؤال التالي: لماذا الجامعة البهائيّة كانت تحضّرنا كدول عربيّة عام ١٩٩٦؟ فأعدّت برنامج في كيفية تطوير القدرات والحوارات مع جميع الأديان، فضلاً عن كيفية تطوير القدرات والمهارات للعمل مع فئة الأطفال والشباب الناشئ وكذلك الشباب. ربما هذا ما أعطانا الدافع بحكم أنّها المرّة الأولى التي أعيش فيها الحرب هنا، ولكن لم أشعر بالخوف، لقد شعرت قليلاً بوجود هلع لكن كلّ الناس الذين تعرّفت عليهم خلال السنوات الأربع لتواجدي هنا من فئة الشباب الذين كانوا من ضمن الناس الذين يشاركوننا نفس الهدف رغم اختلاف الأديان، إن كان درزيّ، مسيحيّ، شيعيّ، سنّيّ، لم نشعر أبدًا بهذا الفرق، لأنّ تركيزنا كان على كيفية بناء هذا الهدف الأسمى في لبنان. كيفية تقبّل هذا الولد غدًا للآخر؟ كيفية عمل هذا الشاب ومحاولة تطوير قدرات هؤلاء الشباب الذين لديهم هذه التفرقة، وكيفية توحيد الرؤية فيما بيننا والعمل معًا ووضع يدنا بيد بعضنا البعض. فهذه هي الجامعة البهائيّة التي تشارك جميع الذين يرغبون في الانضمام إلى هذا العمل وكيف يكون بلدنا مزدهرًا ليس فقط لبنان بل كلّ الدول العربيّة. أودّ أن أروي لكم من بين القصص التي اختبرناها قصة امرأة مسيحيّة سألتها ما إذا كانت ترغب في أن يكون أوّل دعاء في منزلها مع الإخوة السوريين السُنّة، فرفضت رفضًا قاطعًا في بادئ الأمر.. هذا ما جعلنا نرى خلال سنة أنّ كل حلقات الدعاء التي نقوم بها بتنوّعها بَنَت صداقات جميلة جدًّا، ممّا سمح لهذه العائلات أن تفتح منازلها في الحرب لكلّ الناس الذين نزحوا من الضاحية، لم تغلق أبوابها. فعندما كنت أذهب للدعاء معهم كانوا يُعربون عن سعادتهم لشعورهم وكأنّهم في منازلهم. في أيام الحرب، التغَت كلّ التفرقة التي غالبًا ما نراها في مجتمعاتنا… هذا ما نبحث عنه كبهائيّين، أصدقاء يشاركوننا نفس الهدف ونفس التحوّل الاجتماعيّ الذي نرغب من خلاله رؤية هذا التنوّع في مجتمعاتنا العربيّة…

الأخ جان جاك وخبرات مع شبيبة أديان في Taizé

وبعد خبرة السيّدة بهيّة، كانت كلمةٌ للأخ جان جاك من جماعة Taizé المسكونيّة الفرنسيّة جاء فيها: أنا الأخ جان جاك جئت من فرنسا أنا والأخ روبير إلى لبنان من بلدة Taizé حيث نعيش كجماعة.. في Taizé نستقبل دائمًا شبيبة، فالأسبوع الماضي استقبلنا ٢٠٠٠ شاب وشابّة والأسبوع الذي سبقه استقبلنا ٣٠٠٠ شاب وشابّة من كلّ أنحاء العالم أتوا لعيش اختبار حياة الجماعة.. لقد تأثّرت الليلة كثيرًا بالخبرات الإنسانيّة. في Taizé غالبًا ما نذكر لبنان في صلاتنا، وبخاصةٍ أثناء القصف لأنّه لدينا الكثير من الأصدقاء في لبنان.. ونصلّي كلّ يوم على نيّة فلسطين بسبب ما يحدث في غزّة وعلى نيّة كلّ مكانٍ فيه ظلامٌ ووجعٌ وبخاصّةٍ في أوكرانيا. هناك فرق بين الصلاة على نيّة الأمور والإصغاء مباشرةً لخبرات حياة من الأشخاص الذين يعيشون في هذه الظروف الصعبة، لذلك تأثّرت كثيرًا اليوم بكلّ الشهادات والخبرات التي سمعناها، لأنّنا شعرنا بأنفسنا أكثر قربًا، وهذا ما يدفعنا بغيرةٍ لإيصال ما سمعناه إلى Taizé وإلى الشبيبة الذين يأتون إلى Taizé. ربما سمعتم هذه الشهادات كلّها أكثر منّا لأنكم تعيشون في لبنان، أمّا نحن، فبالنسبة لنا الأمر جديدٌ ومؤثِّرٌ للغاية فنحن أتينا من فرنسا لاكتشاف لبنان خلال هذه الأسابيع الثلاث. فمن المهم لنا أن نخبر ما سمعناه منكم إذ إنّه مؤثّرٌ للغاية. وأودّ أن أقول لكم أن هذه الشهادات المسيحيّة الإسلاميّة الدرزية مؤثّرة للغاية وشكرًا لكلّ من أعطوا خبراتهم وشهاداتهم اليوم.. شبيبتنا هم المستقبل، لذلك ما يعيشونه في Taizé من خبرات أمرٌ مهمٌ للغاية، وبخاصّةٍ وجود شبيبةٍ مسلمين يشهدون بشجاعةٍ لإيمانهم بعمقه وسط عددٍ هائلٍ من الشبيبة المسيحيين. ففي كلّ سنةٍ يشارك شبيبة من لبنان مسيحيين ومسلمين في حياة الجماعة في Taizé لمدّة شهر. ومن ثمّ، استدعى الأخ جان جاك من بين الحضور الشبيبة الذين شاركوا في Taizé: الشابتان فضيلة وأسيل اللتان عرضتا فيلمين قصيرين لخّصا خبرتهما التي عشتاها هناك. بعد العرض، شاركت الشابّة فضيلة خبرتها قائلةً: إنّ تجربة Taizé بالنسبة لي ولزملائي لم تكن فقط فرصةً لاكتشاف الآخر بل فرصةً ساعدتني كفضيلة لاكتشاف الأنا واكتشاف ديني أكثر. ومن بعد هذه الخطوة أتخذتُ قرار القيام بدراسات إسلاميّة ومسيحيّة أكثر والتعمّق أكثر بموضوع الأديان. كما سمحَت لي هذه الفرصة بأن أدخل في أعمال تطوّعيّة وبأنّ أُقدِّر قيمة الأمور البسيطة جدًّا، لأنّنا بالحقيقة نحن في زمنٍ بحاجةٍ لنقدِّر فيه الأمور البسيطة في حياتنا. لذلك أقول شكرًا لهذه الفرصة، شكرًا أولاً لأديان ADYAN التي فتحت لنا هذا المجال للمشاركة. شكرًا أخ جان جاك، لأنّك كنت دائمًا بالنسبة لنا صديق، أخ، رفيق، حتّى أنّنا شعرنا به كأب لنا خلال وجودي في Taizé، فشكرًا… وأشجعكم دائمًا لاختبار هذه التجربة، لأنّ القيم التي نكتسبها من هذه التجربة أمرٌ أساسيٌّ للغاية وسنبقى متمسكّين بها لآخر لحظة من حياتنا… ومن ثمّ، شارك الشاب جمال خليل (زميل فضيلة من أديان ADYAN) خبرته قائلاً: في ٢٠٢٠، تمّ اختياري للذهاب إلى Taizé وكان أمرًا غريبًا وليس بغريبٍ بالنسبة لي لأنّني أنا ابن طرابلس وولدت وعشت كلّ حياتي في كسروان. فهذه الحياة المختلطة التي عشتها كلّ حياتي، ولكن لم أختبرها يومًا بهذه الطريقة. ومن الأمور الطريفة التي تشاركتها مع الأخ جان جاك عندما كنت في فرنسا وكنّا مدعوين للعشاء عند رئيس الرهبنة هناك، كان وقتها وقت صلاتنا، وأذكرُ أنّ الأخ جان جاك جعل كلّ الأشخاص هناك، الرهبان الذين كانوا في العشاء يستعجلون لأنّ جمال لديه صلاة ويجب أن يلحق بها. لقد كانت تجربتي في Taizé عبارة عن شهرٍ وأكثر، كانت عبارة عن ثماني صلواتٍ في اليوم: ٥ صلوات بالدين الإسلاميّ وثلاث صلوات كنت أشارك فيها مع الأخ جان جاك في الكنيسة في Taizé. أستطيع أن أختصر هذه الرحلة، التي لم أعش مثلها تجربة ولن أعيش مثلها تجربة، بأنّها كانت غنيّةً بشكلٍ غير طبيعيّ، إذ كان هناك أشخاصٌ من كلّ دول العالم تقريبًا، وكنّا نعيش كلّنا معًا في مكانٍ واحد. وما ميّزها كثيرًا، هو أنّنا لم نكن فقط نقوم بالعديد من الأمور بل كنّا نتشارك العديد من الأمور، ولم نكن نتحدّث فقط عن الأمور التي تجمعنا بل الأمور التي نختلف فيها والتي، في الوقت عينه، مستعدّين أن نحيا فيها مع بعضنا البعض. هذا كان بالأساس الهدف من الرسالة التي ذهبتُ لأجلها إلى هناك. من بين الهدايا المميّزة التي حصلتُ عليها من الأشخاص الذين كانوا يودّعونني وأنا عائدٌ إلى لبنان، من شابٍ هنديّ اسمه شانت أعطاني صليبه، الذي كان يعني له الكثير فضلاً عمّا عشناه معًا. هذا ما جعلني أتأكّد أنّه مع الاختلافات الكثيرة بيننا هناك أمورٌ كثيرة تجمعنا. يجب أن نتعلّم كيف نعيش مع بعضنا البعض لو مهما كانت اختلافاتنا الدينيّة… وختم الأخ جان جاك قائلاً: سننقل إلى الشبيبة في Taizé لبنان من خلال جمال وروعة ما عشناه معًا الليلة في هذا اللقاء المؤثِّر.

وفي الختام، كانت كلمةُ شكرٍ مع أمين عام مكتب راعويّة الشبيبة في الدائرة البطريركيّة المارونيّة في بكركي، الأستاذ الياس القصيفي، أعبر فيها، باسم المكتب والكنيسة المارونيّة، عن شكره وامتنانه لكلّ رجال الدين ومسؤولي الكنائس الذين شاركوا خبرتهم في هذا اللقاء وإخوة جماعة Taizé، الأخ جان جاك والأخ روبير، وختم قائلاً: على رجاء الاجتماع دائمًا بإذن الله لخير شبيبتنا ووطننا. ومن ثمّ، كانت الصورة التذكاريّة والضيافة للمناسبة.

اللقاء الثاني يوم تضامنيّ إنسانيّ مسكونيّ في الجنوب (١ أيار)

شبيبة لبنان يزورن القرى المُدَمَّرة ويُصلّون مع الأهالي

زارَ شبيبة لبنان برفقة إخوة من جماعة Taizé المسكونيّة الفرنسيّة قُرى الجنوب المتضرِّرة، يوم الخميس ١ أيار ٢٠٢٥. انطلق المشاركون من بيروت نحو صور، حيثُ كانت محطة أولى مع راعي أبرشيّة صور للروم الملكيين الكاثوليك الذي شكرهم على لفتتهم الأخويّة، ثُمّ، أكمل المشاركون طريقهم نحو بلدة علما الشعب، حيثُ زاروا مع أهالي وكهنة وقساوسة البلدة الكنيسة المارونيّة والكنيسة الإنجيليّة وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك رافعين الصلوات من أجل السلام. وبعد الغداء في صور، إنتقل المشاركون إلى بلدة يارون، حيثُ استُقبِلوا بحرارةٍ من قِبَل الأهالي والكهنة بمختلف طوائفهم وقد أنشدوا معًا نشيد القيامة واقفين على ركام الكنائس والمنازل المُدمَّرة. وقد تُوِّج النهار بصلاةٍ مُشتركة Taizé Prayer في كنيسة القدّيس جاورجيوس في بلدة تبنين، بحضور إخوة جماعة Taizé الذين أعربوا عن تأثُّرهم بمسيرة الوجع والألم التي مرَّ بها أهالي الجنوب وما زالوا. كما أعربوا عن إعجابهم بقدرة الصمود وقوّة الرجاء التي لديهم في ظلّ هذا الدمار الكبير. وقد شدَّد مرشد مكتب راعويّة الشبيبة البطريركيّ Bkerke Jeune، الخوري جورج يَرَق، في كلمةٍ له على أهميّة الإمتلاء من الروح القدس والاستسلام له لأنّه هو مصدر السلام الوحيد في حياتنا، لأنّ السلام الحقيقيّ يكون في القلوب أولاً. ثُمَّ، أعطى مُرشدو شبيبة الكنائس بركتهم المشتركة للحاضرين قبل أن يُختتم النهار بلقمة محبّة مميّزة من تحضير أبناء الرعيّة.

اللقاء الثالث المسكونيّ بين شبيبة من كلّ الكنائس (٣ أيار)

بحضور ممثّلين عن كلّ العائلات الكنسيّة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والإنجيليّة (إكليروس ومكرّسين ومكرّسات ومسؤولي مكاتب شبيبة كلّ الكنائس ولجانها) وإخوة من جماعة Taizé المسكونيّة الفرنسيّة، اجتمع حوالي ٣٠٠ شاب وشابّة من كلّ كنائس لبنان في لقاءٍ مسكونيّ بعنوان “علامةُ رجاء”، وذلك يوم السبت ٣ أيار ٢٠٢٥ في مسرح جامعة الحكمة فرن الشباك. امتدّ اللقاء لمدّة خمس ساعة خالقًا مساحةً لعيش اختبار الرجاء في سنة يوبيل حجاج الرجاء من خلال لقاء شخص الرَّبّ يسوع المسيح الحيّ في قلب كلّ شابٍ وشابّة من خلال اختباراتهم وشهادتهم. وقد تضمّن اللقاء تعليمًا وتنشئةً، وتبادُل خُبراتٍ روحيّة، ومشاغل، وحلقات حِواريّة، وصلاة مسكونيّة مشتركة… وفق البرنامج التالي: استُهلَّ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني كاملاً. تلته كلمةٌ رحّب فيها الأستاذ كارلوس معوّض، منسّق اللجنة التنظيميّة للقاءات الشبيبة المسكونيّة نيسان-أيار ٢٠٢٥، بجميع الحاضرين وبخاصّة بالإخوة من جماعة Taizé، مُستذكرًا اللقاء المسكونيّ العالميّ للشبيبة الذي انعقد عام ٢٠١٩ في واجهة بيروت البحريّة، والذي ضمّ شبيبة من كلّ الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة والإنجيليّة من لبنان وسوريا ومصر والأردن وفلسطين ومن كافة الدول الأوروبيّة. وبعد سؤال الشبيبة المشاركة في هذا اللقاء عن اطلاعهم بذاك اللقاء، تبيّن أن غالبيّتهم لم يعيشوا هذه الخبرة. بعدها، شكر جامعة الحكمة على استضافة اللقاء وعلى كرم الضيافة بشخص الخوري طانيوس خليل، عميد كليّة العلوم الدينيّة واللاهوتيّة فيها، شاكرًا إيّاه على كلّ الجهود التي بذلها لإنجاح هذا اللقاء، فضلاً عن شكر البروفسور جورج نعمة، رئيس الجامعة، وسيادة المطران بولس عبد الساتر، على كلّ دعم. ثمّ، تمّ عرضُ فيلمٍ قصير يلخِّص اللحظات المؤثّرة التي عاشها الشبيبة والتي لا تزال محفورة في ذاكرتهم وقلوبهم في “اللقاء المسكونيّ العالميّ للشبيبة ٢٠١٩”. وبعد ذلك، كان إطلاقُ موضوع اللقاء “علامةُ رجاء”، انطلاقًا من رسالة القديس بولس إلى أهل روما ٥: ٣-٥، مع القسّيسة د. ريما نصرالله، جاء فيه:

كما تلاحظون اسم اللقاء “علامةُ رجاء”.. نحن مجتمعين اليوم من كلّ الكنائس لنتحدّث ونفكّر.. عن الرجاء، ويجوز أن تسألوا أنفسكم، منذ أسبوع أو أكثر حدثت ضربةٌ على منطقة الحدث.. والخريف الماضي معظمنا توقفت مدارسنا وجامعاتنا وربما توقّفت أشغالكم أو ربما اضطررتم لترك منازلكم والذهاب إلى مكانٍ آخر، ولم نكن نرى رجاءً. إنّ المنطقة كلّها من الساحل السوريّ إلى غزّة، لا تزال إلى اليوم تُعاني، وحتّى نحن في جنوب لبنان، فمن شارك في اليوم التضامنيّ الخميس رأى أنّه من الصعب التحدّث عن الرجاء. إنّ ما نراه وهو الضغوطات، والضغوطات ماذا تفعل فينا عادةً، إن كانت ضغوطات نفسيّة أو غيرها؟ الضغط يكسر. وكلّكم تعرفون ماذا يعني الضغط يكسر. ولكن الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية في الإصحاح الخامس، يتحدّث أيضًا عن ضغوطات، يتحدّث عن ضغوطات ولكن يتحدّث عن ردّة فعل مختلفة للضغوطات، يقول: “نفتخر أيضًا في الضيقات عالمين أنّ الضيق يُنشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يُخزي، لأنّ محبّة الله قد انسكبَت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”. أريد أن أتوقّف عند أربع كلمات في هذه الآيات. غالبًا ما نترجمها بطرق مختلفة، وما يُساعدنا في هو مراجعتنا للكلمة اليونانيّة لأنّ العهد الجديد كُتب باللغة اليونانيّة. الكلمة الأولى “Thlipsis” تُترجم بـ Pressure أي ضغط. والضغط ماذا يفعل؟!.. والكلمة الثانية “Hypomone” ومن الصعب ترجمتها، ففي بعض الأحيان تُترجم الصبر أو المرونة بالإنكليزية Endurance أو Resilience. إذا لاحظتم عندما قمت بالضغط على الجفصين بين يدي أصبح لدينا فيه مرونة وسهولة للتحريك. يقول لنا الرسول بولس الضغط يُنتج مرونةً عند المسيحيّ المؤمن. وهذه المرونة تُنتج “Dokime”.. تُترجم بالإنكليزية Character طابع – تأهيل، وهذا الـ Character يُعطي رجاء “Elpis” – Hope. إنّ هذا الضغط الذي قمنا به شكّلنا، هذا الضغط يُشكّلنا أي يُعطينا شكل أو Character ويغيّر شيء في شخصيّتنا. ومن نقاط القوّة أن نفكّر بأن الضغوطات التي نمرّ بها ليست فقط ضغوطات تكسر بل ضغوطات تُشكِّل الشخصيّة وتحوّلها إلى شخصيّةٍ قابلة لاستقبال انسكاب نعمة الرجاء فيها من الرَّبّ. الرجاء الذي أتحدّث عنه اليوم هو ليس تمنّي شيء للمستقبل، ولكن في الكتاب المقدّس وبخاصّةٍ مع بولس الرسول الرجاء هو رجاءٌ بشخص، رجاءٌ مرتبطٌ بشخصٍ هو يسوع المسيح.. هذا رجاءٌ ليس بأمرٍ نتحدّث عنه بل نعيشه، إذا لاحظتم هذا الشكل إذا كان ممتلئًا بالرجاء، نكون رجاء، ونكون علامة رجاء أينما كنّا في أي منطقة أو مجموعة. فرجاؤنا ليس منوطًا أو متعلّقًا بما يحدث حولنا.. أي أنّ اليوم لدي رجاء وغدًا لا! بل هو حالةٌ نصير عليها، ولا نصير عليها صراحةً في الأيام الحلوة، فغالبًا ما ينبغي على الإنسان أن يمُّر بضغطٍ كي يُشكِّلَه الله، وتستطيع أن تنسكبَ فيه محبّة الآب… وهذا ما سنفكّر به في مجموعاتنا: كيف يمكن أن أكون علامة رجاء رغم كلّ الضغوطات والصعوبات التي أعيشها؟

بعد الموضوع، توزّع الشبيبة مع منشطين على حلقات حوارٍ تمحورت حول التفكير بسؤالين جوهريين كُتبا على صورة أيقونة لصليب يسوع المسيح من جماعة Taizé: هل لديّ الجرأة لأتحدّث عن ضعفٍ اختبرته؟ كيف اهتمَّ الله فيَّ في وقت ضعفي؟ وطُلب من الشبيبة كتابة ضعفهم على الجهة الخلفيّة من الصلبان ليُصار إلى إعادة توزيعها عشوائيًّا على الشبية كي يحملَ كلّ من يأخذ صلبيًا في ختام اللقاء صاحبه بصلاته. وبعد حلقات الحوار، كانت مشاغلٌ شارك فيها الشبيبة كلٌّ بحسب اهتمامه ورغبته من وحي الموضوع:

١- المشغل الأول: الرجاء في قلب الوجع الشخصيّ مع ماريات وحنّا جرجس (كيف يساعدنا إيماننا المسيحيّ، ونحن نعيش في سياق الحرب والمعاناة والمرض والموت، على النمو في شخصيّتنا وعلى أن نصبح أقوى وأكثر صلابةً إنسانيًّا وروحيًّا؟ ما هو دور الرجاء في هذه المسيرة كلّها؟)

٢- المشغل الثاني: غذاء الرجاء مع الأخت ميشلين منصور (كيف نحافظ على إيماننا أمام التحديات الفكريّة والثقافيّة والعقائديّة والسياسيّة والديمغرافيّة والتيّارات المشكِّكة؟ كيف يمكننا إيجاد الوضوح حول محتوى رجائنا في عالمٍ يتغيّر باستمرارٍ وتتغيّر فيه الأفكار والقيم بسرعةٍ وبشكلٍ مُحَيّر؟)

٣- المشغل الثالث: مفتاح الرجاء مع شربل مطر (كيف يمكن للمرء أن يستند للرجاء من خلال الاقتراب من يسوع وإقامة علاقة شخصيّة معه، علاقة يمكن أن تُغيّر نظرته إلى الحياة وتساعده كي يجد الفرح الداخليّ؟)

٤- المشغل الرابع: الرجاء الأخضر مع الخوري جورج يَرَق (ما علاقة الطبيعة بإيماننا المسيحيّ؟ كيف يمكن لرجائنا المسيحيّ أن يحمي أرضنا، وكيف يمكن لأرضنا أن تُعزِّز رجاءنا المسيحيّ؟)

٥- المشغل الخامس: الرجاء في العمل المسكونيّ مع الأخت إميلي طنّوس (هل صحيح أنّ العمل المسكونيّ لا يُجدِ نفعًا وأنّه لا أمل أن يؤدّي العمل المسكونيّ للتوصّل إلى تقارب بين الكنائس أو حلّ لمشاكل إيمانيّة تاريخيّة موروثة؟ أين يكمن الرجاء في العمل المسكونيّ يا تُرى؟)

٦- المشغل السادس: الرجاء والصمت مع الأخت تيدولا عبدو (كيف أقبل الصمت كمصدر لسماع صوت الله؟ لماذا غالبًا ما يُخيفنا الصمت؟ هل لأنّه يجعلنا نواجه ذاتنا؟ كيف نحصل على تقدير أعمق للصمت كمصدرٍ للتواصل مع الله واستمداد القوّة لرجائنا؟)

٧- المشغل السابع: الرجاء في السجن مع الأب زياد نصّار (هل يمكن للسجين أن يُحافظ على رجائه المسيحيّ؟ ماذا عن حالات الإحباط واليأس داخل السجن؟ كيف يمكن التمسّك بالرجاء حتى لو داخل غرفة مغلقة؟ ما هي خبرة السجناء ومرافقيهم النفسيين والروحيين في هذا الإطار؟)

٨- المشغل الثامن: الرجاء والفنّ مع جوزيف حبيقة (كيف يمكن للفنّ على أنواعه (مسرح، غناء، رسم، إلخ.) أن يكون مصدرًا وعلامةَ رجاءٍ في حياتنا وحياة مجتمعنا؟)

٩- المشغل التاسع: الرجاء في الانطلاق للبشارة مع الخوري جان فرح (هل فعلاً نحن نؤمن أنّ الانطلاق للبشارة كمُرسلين هو من صلب رسالتنا؟ أم أنّ الفكر الرسالي لا يهمّنا؟ هل نحن نُبشِّر اليوم بفرح وسلام يسوع المسيح أم نكتفي بالتزامٍ كنسيٍّ عاديّ؟ هل نُجسِّد الرجاء المسيحيّ في مسيرة التزامنا الكنسيّ، وكيف؟ )

١٠- المشغل العاشر: الرجاء في عالمٍ رقميّ مع جاك جِندو (كيف يمكن لعالم التواصل الاجتماعيّ ومشتقّاته أن يؤثّر على رجائنا المسيحيّ؟ كيف نحمي إيماننا في قلب العالم الرقميّ؟ كيف نُعزِّز إيماننا ورجاءنا من خلال العالم الرقميّ؟)

وبعد المشاغل، كانت خلاصة “علامة الرجاء” انطلاقًا من مجمع نيقيا (المسكونيّ الأوّل) مع الخوري طانيوس خليل، عميد كليّة العلوم الدينيّة واللاهوتيّة، في مسرح الجامعة، جاء فيها:

نحن نحتفل في هذه السنة بمرور ١٧٠٠ سنة على انعقاد مجمع نقيا المسكونيّ الأوّل. من ٢٠ أيار إلى ٢٥ تموز، اجتمع أساقفة من كلّ العالم لمدّة شهرين لمعالجة قضايا مختلفة. إنّ العودة لهذا المجمع أمرٌ مهم للغاية في مسارنا اليوم نحو الوحدة. وقبل المباشرة بالخلاصة، طلب الخوري طانيوس من الجميع تلاوة صلاة الوحدة: أيُّها الرَّبُّ يسوعُ، يا مَن في ليلةِ إقبالِك على الموتِ من أجلِنا، صلَّيتَ لكي يكونَ تلاميذُك بأجمعهم واحدًا، كما أنَّ الآبَ فيكَ وأنتَ فيه. اجعلْنا أن نشعُرَ بعدمِ أمانتِنا، ونتألَّمَ لانقسامِنا. أعطِنا صِدقًا فنعرفَ حقيقتَنا، وشجاعةً فنطرحَ عنّا ما يَكمُنُ فينا من لا مُبالاةٍ ورَيبَة، ومن عداءٍ مُتبادَل. وامنحْنا يا ربُّ أن نجتمعَ كلُّنا فيك، فتصعدَ قلوبُنا وأفواهُنا، بلا انقطاعٍ صلاتَكَ من أجل وحدةِ المسيحيّين، كما تُريدُها أنتَ وبالسُبُلِ التي تُريد. ولنجدْ فيكَ يا أيُّها المحبّةُ الكاملةُ، الطريقَ الذي يقودُ إلى الوَحدةِ، في الطاعةِ لمحبَّتِكَ وحقِّكَ، آمين. ثمّ تابع قائلاً: سأعالج في هذه المداخلة الصغيرة النقاط التالية: إطار المجمع المنعقد، ما هو دور المجمع بحدّ ذاته؟ نيقيا وإشكاليّته، آريوس وتعاليمه، والنقاط المعالجَة. وبعدها سنرى كيف يستطيع هذا المجمع أن يعلّمنا اليوم ويحمل لنا شيئًا إيجابيًّا. بالطبع عندما نتحدّث عن إطار المجمع الذي انعقد سنة ٣٢٥ م، نعرف أنّ المسيحيّة انتشرَت بشكلٍ مذهل. وأصبح هناك مسيحيين متواجدين في مناطق حضاريّة مختلفة، ومناطق لغويّة مختلفة، عبّروا عن إيمانهم الواحد بطرقٍ مختلفة وتعابير مختلفة، وأحيانًا بطرق متعارضة.. في بداية الـ ٤٠٠ م، انتشرت المسيحيّة بشكلٍ كبير جدًّا. وما كان يجمع المسيحيين المنتشرين والذين يتعرّضون لاضطهادات وصعوبات، دائمًا نقرأ مار بولس، أعمال الرسل، كنيسة الله في روما، كنيسة الله في كورنثوس، كنيسة الله في أفسس، بالطبع، هناك محبّة تجمعهم، ولكن كانت هناك روابط منظورة للشراكة. هذه الروابط هي ثلاثة: أولاً، كان لديهم الإيمان الرسوليّ الواحد، يعبّرون عنه بطرق مختلفة كما قلنا، وهذا الإيمان المشترك كانوا ينقلونه بالتحضير للعماد، وفي الوقت عينه، بما نسمّيه قوانين إيمان، ليس بمفهوم القانون الذي نقوله الآن، بل بمعنى أنّه كان يعلن إيمانه كلّ من يرغب في اقتبال سرّ العماد. الاحتفال المشترك بالعبادة الإلهيّة أي إذا أراد أحدٌ أن يذهب من بيروت إلى روما للمشاركة بقدّاسٍ أو احتفالٍ، عليه أن يأخذ معه جواز سفرٍ ليتورجيّ لتقبله الجماعة، لأنّ الجماعات لم تكن مفتوحة للجميع. وثالثًا، التسلسل الرسوليّ بوضع اليد. عرفت المسيحيّة خلال ٣٠٠ سنة اضطهادات شرسة للغاية، فقط تعرّضت للاضطهادات، فتقريبًا كلّ 20 سنة كان يأتي اضطهادٌ قويّ للغاية. وآخر اضطهاد كان قاسٍ جدًّا على المسيحيين بين سنة ٣٠٣ و٣١٢ م، وهو الاضطهاد مع الأباطرة ديوكلتيانوس وغليريوس. ومنه نتجت مشكلةٌ كبيرة للغاية، وهي أنّ المسيحيّ الذي تعرّض للضغط ليحمي ابنه من قطع الرأس ونكر الإيمان، ماذا نفعل به؟ هل نقبله أو لا نقبله؟ الدوناتيسم Donatisme لم تقبل به. وبعدها سنرى أن نيقيا سيتصرّف بغير طريقة. كلّنا نعرف أن الأمبرطور قسطنطين جاء ووضع مرسوم ميلانو ٣١٣ م وأوقف الاضطهادات. بالطبع هذا الإمبرطور كان لديه همٌّ وهو وحدة الإمبراطوريّة من وحدة الإيمان، لكن لم يكن هذا السبب الرئيسيّ لديه. ما هو دور المجمع بحدّ ذاته؟ عندما نتحدّث عن المجمع Concile باللاتينيّة Concilium أي الجماعة باليونانيّة كلّنا نعرف السينودُس Sun-odos أي السير معًا وConcilier بالفرنسيّة أي أن نتآلف، أن نتّفق معًا… كان هناك مجامع إقليميّة ومناطقيّة. وعندما كانت المشكلة كبيرة جدًّا وتتخطّى المنطقة، ذهبنا إلى ما بُعرف بنيقيا الذي كان أوّل مجمع مسكونيّ أي على صعيد كلّ الإمبراطوريّة فيه أساقفة يمثّلون كلّ الكنائس في كلّ الإمبراطوريّة، نسمّيه مجمع عام أو مجمع شامل. يُعتبر نيقيا سنة ٣٢٥ م أوّل مجمع مسكونيّ، وليس بالأمر السهل، إذ استمرّوا بالمناقشة مدّة شهرين. إنّه نقطة تحوّلٍ في صياغة العقيدة المسيحيّة التي كانت موجودة ولكن صيغَت بكلمات. وفي الوقت عينه، كان لديه هاجسٌ أساسيٌّ وهو وحدة الكنيسة الخارجة من الاضطهاد. شارك فيه ٣١٨ أسقفًا أغلبيّتهم من الإمبراطوريّة الرومانيّة، معظمهم من الشرق (كلّ البطريركيّات كانت ممثّلة). وقد ترأس المجمع الأسقف هوسيوس Ossius de Cordoue من إسبانيا، كان مستشار الإمبراطور قسطنطين وممثّله، لأنّ الإمبراطور دعا لهذا اللقاء وحضر الجلسات الافتتاحية وأظهر اهتمامًا كبيرًا بتحقيق الوحدة الكنسيّة. إنّ الخلافات التي كانت في العقود السابقة بين المسيحيين حتى خلال الاضطهادات تحوّلت في بعض الأحيان إلى صراعاتٍ خطيرة ولا تظنّوا أن النقاش كان حول تعابيرٍ فقط، كلا، فهناك أمرٌ يُسمّونه البعد الخلاصيّ Sotériologie (تعرفون المبدء الأساسيّ لقد أصبح الإله إنسانًا لكي يصبح الإنسان إلهًا (فإذا لم يصير هذا الإله إنسانًا وهو ليس إله لا نصير نحن أبناء الله، إذًا المسألة دقيقة للغاية). هناك مسائل عديدة مثل: طبيعة المسيح بالنسبة إلى الآب. من هو؟ – مسألة التاريخ/الموعد الواحد للاحتفال بعيد الفصح وعلاقته بالفصح اليهودي – كيفية إعادة قبول المؤمنين الذين جحدوا الإيمان أثناء الاضطهاد في السنوات السابقة – فضلاً عن، أمورٍ تنظيميّةٍ كنسيّة (مثلاً: آريوس ترك الإسكندريّة وذهب إلى العاصمة، هل يحق للكاهن أن يذهب حيث يشاء أو أن يقبله السقف إذا كان مختلفًا عقائديًّا مع الأسقف الآخر؟) – الجدل حول تعاليم آريوس الذي كان كاهنًا ولاهوتيًّا في الوقت عينه، والذي أنكر ألوهيّة المسيح واعتبره مخلوقًا أدنى من الله الآب، فكان تعليمه الدائم: “كان حين لم يكن فيه”، “مخلوق أوّل قابل للتغيير والصيرورة الزمنية”، وبالتالي، رفض الثالوث… من يفكّر مثله اليوم؟ الآريوسيون الجدد، شهود يهوه، فكلّ تعليمهم من آريوس، فضلاً عن تعاليم أخرى. في هذا الجدل، حدثت جدالات قويّة وصدامات وحتى سُفِكَ دماء، وكان هناك خطرٌ لانشقاق أقسامٍ من الإمبراطوريّة، بخاصّةٍ القسم الشرقيّ منها. “بدأت الكنيسة تلمس مدى صعوبة المشاركة بالإيمان الواحد الذي سيجمع كلّ المسيحيين في السياقات الثقافيّة والسياسيّة المختلفة آنذاك” (أسبوع الوحدة ٢٠٢٥)… هناك مسألة مطروحة مهمّة للغاية وهي مسألة الوحدة بالإيمان وليس بالتعابير بل بوديعة الإيمان.. نصُّ قانون الإيمان الذي نقوله في كنائسنا أي “نؤمن بإلهٍ واحد…” بدأ من هنا، فإذا كان أحدٌ يرغب في أن يُصبح أسقفًا عليه أن يُعلن إيمانه أمام الجميع، وإذاخرج عن الإيمان يخرجونه من الشراكة الكنسيّة. هل ترغب في أن تُصبح كاهنًا، فعليك أن تُعلن إيمانك أمام الجميع. بالطبع، اعتمدوا صيغة الجمع تعبيرًا عن الانتماء المشترك. وتمّ تقسيمه على ثلاثة أجزاءٍ مخصّصة للأقانيم الثلاثة في الثالوث: الآب والابن والروح القدس. وتمّت مراجعة نصِّ قانون الإيمان هذا وتوسيعه في مجمع القسطنطينية سنة ٣٨١ م بإضافة ما يخصّ الروح القدس. إنّ نصّ قانون الإيمان سيرُدّ على آريوس، فيقول: “ابن الله الوحيد المولود من الآب قبلَ كل الدهور…”، وليس “كان حين لم يكن فيه”. و”مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر”، هذه أقوى كلمة فلسفيّة “مساوٍ للآب في الجوهر” وضعوها في القانون. (“له الجوهر نفسه مع الآب” هذه الترجمة العربية التي اعتمدها مجلس كنائس الشرق الأوسط). هذا البعد كلّه “من أجلِ خلاصنا”، المسيح لم يتجسّد محبّةً بزيارة الأرض… لم يأتِ لزيارتنا بل لخلاصنا. على ماذا ارتكز قانون الإيمان؟ أولاً، ارتكز على الكتاب المقدس/ كلمة الله “والكلمة صار بشرًا” و”كان الكلمة الله” و”لم يُعد مساواته لله غنيمة”… والأمر الثاني، تعاليم المعمودية، الكنائس كلّها تُعلن الثالوث وتسبّحه وتمجّده، وكان لدى الكنائس دساتير إيمانيّة تقولها. جاء نيقيا كي يجمعهم ويعطي صياغةً تجمع الكنيسة. بخصوص موعد عيد الفصح: قرّر المجمع أن يُحتفل بعيد الفصح في الأحد الأوّل بعد اكتمال القمر الذي يلي الاعتدال الربيعيّ (أي بعد ٢١ آذار)، مستقلاً عن التقويم اليهوديّ. وحدّد قواعد احتساب تاريخ عيد الفصح، إلّا أنّ التباينات في التفسير أدّت لاحقًا إلى تحديد العيد في تواريخ مختلفة في الشرق والغرب. ووضع المجمع ٢٠ قانونًا تنظّم شؤون الكنيسة، مثل شروط الرسامة، والانضباط الكنسيّ (الحزم تجاه الإكليروس والرحمة تجاه المؤمنين التائبين)، وتنظيم العلاقات بين الأساقفة، تعبيرًا عن الحاجة إلى تنظيم الوحدة والسلام بين الكنائس. وأختُم قائلاً: ماذا نستطيع أن نتعلّم نحن اليوم من نيقيا؟ ما هي عبقرية نيقيا وجديده اليوم ككلمة رجاء؟ وما هي كلمة الرجاء لنا اليوم كمسيحيين نسعى للوحدة؟ أوّل نقطة نتعلّمها من نيقيا، هي المجمعيّة، السينودُسيّة، كمبدأ ووسيلة لحلّ الخلافات. ليس بالأمر السهل أن يأتي ٣١٨ أسقفًا من كلّ أنحاء المسكونة لمعالجة قضية تطال الجميع من قبل الجميع. فهم يقولون لنا أنتم أيضًا إن أريدتم العمل من أجل الوحدة فيجب عليكم أن تجتمعوا وتفكّروا وتناقشوا شهرًا وشهرين وثلاثة وأربعة… ثانيًا، النقطة الأساسيّة أنّهم قالوا أنّه لا وجود للوحدة من دون إعلان إيمان، ويجب أن يكون إعلان الإيمان هذا أساسًا للوحدة، يجب أن نتّفق، فقد عرضوا هم النصّ وأكّدوا النصّ، الذي يُعتبر حاليًا قاسمًا مشتركًا بين كلّ العائلات المسيحيّة الكاثوليكيّة، الأرثوذكسيّة والأرثوذكسيّة الشرقيّة ، وفي الوقت عينه الإنجيليّة، وعند إخواننا كنيسة المشرق أيضًا. بالطبع، إنّ الأسس المشتركة الأساسية التي ترتكز عليها الجماعات في علاقتها مع بعضها البعض مع قبول التنوّع، فمن المهم أن نُميّز بين وديعة الإيمان والتعابير المتعدّدة (نؤمن بالتجسّد: أحدٌ يقول تأنسن وآخر يقول تجسّد، وآخر سكن وأخذ جسدًا… هذه كلّها تعابير مختلفة. كلّنا نحتفل بتجسّد الإله في عيد الميلاد ولكن كلٌّ يُعبّر بتعابير وصلوات مختلفة…) إنّ أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين هو فرصةٌ للمسيحيين لاستكشاف هذا التراث الحيّ من جديدٍ وإعادة ملاءمته بطرقٍ تتماشى مع الثقافات المعاصرة، والتي هي اليوم أكثر تنوّعًا من ثقافات العالم المسيحيّ في زمن مجمع نيقيا. إنّ عيش الإيمان الرسوليّ معًا اليوم لا يعني إعادة فتح الخلافات اللاهوتيّة التي نشأت في ذلك الوقت، والتي استمرّت عبر القرون، بل يعني إعادة قراءة الأُسس الكتابيّة والاختبارات الكنسيّة التي أدّت إلى ذلك المجمع وقراراته. إنّ عيد الفصح كان نقطة بحثٍ كتاريخٍ جامع، فقال مجمع نيقيا يجب أن نتّفق على توحيد تاريخ الاحتفال للأهميّته الرعويّة للشهادة أمام العالم وخاصةً في شرقنا (قبل نيقيا كان هناك تاريخان: “الأربعة عشرية” يحتفلون ولو تصادف موعد العيد في أحد أيام الأسبوع أمّ في روما فكان العيد يوم الأحد)… فحدث تصادم، وقد برز موقف البابا فكتور (+١٨٩) من “الأربعة عشرية”، فتدخّل القديس إيريناوس بهدف المحافظة على الشراكة رغم اختلاف مواعيد الاحتفال بالعيد. هناك توجّهٌ حالي بخصوص موعدٍ موحَّدٍ للعيد الكبير (إنّ أكثر موعد مقترح لتوحيد العيد أن يكون ثالث أحدٍ من نيسان وأن يتمّ تثبيته، بالطبع هذا المقترح بحاجة لتوافق كل العائلات الكنسيّة). في الختام، ليس المطلوب منّا اليوم عودة أركيولوجيّة Archéologique إلى مجمع نيقيا وتقليده بطريقةٍ عمياء، بل يجب علينا طلب نعمة القيام بقراءةٍ تأوينيّةٍ لكيفيّة سعي هذا المجمع لحلّ الخلافات والحفاظ على الوحدة، ونحن لدينا سعيٌ لحلّ خلافاتٍ عقائديّة بهدف استعادة الوحدة مع بعضنا البعض، وبالتأكيد هذه الوحدة بالحقيقة والمحبّة كي نفتح آفاقًا جديدةً لخدمة البشارة. لماذا نريد أن نكون واحدًا؟ أمانةً لآخر صلاةٍ صلّاها المسيح: ليكونوا واحدًا حتى يؤمن العالم. فالمسألة ليست مسألة عرض عضلات. في الماضي، كان توجّه الوحدة أن تضمّ كنيسةٌ كنيسةً أُخرى لها. أمّا الوحدة فهي أن نكون أُمناء للسيّد المسيح. هناك إرتباطٌ جوهريٌّ بين إعلان الإنجيل والسعي إلى الوحدة في الوقت عينه. فأوّل ما يقولونه لنا، إذهبوا وأحبّوا بعضكم وعيشوا الوحدة بين بعضكم البعض لأنّ رسالة المسيح الأساسيّة جاء ليجمع شمل أبناء الله المشتّتين. من سيقوم بهذه الرسالة؟ نحن كلّنا معًا. والله يبارككم.

ومن ثمّ، اختتم اللقاء بصلاةٍ مشتركةٍ مع إخوة جماعة Taizé تميّزت بعمقها في ببساطتها وجماليّتها المعتادة بقراءاتٍ وتأملاتٍ وصلواتٍ وترانيم متنوّعة وبخاصّة ترانيم جماعة Taizé مع جوقة جوفينتو بقيادة الأستاذ طوني بيلوني، فضلاً عن ترنيمة صلاة الأبانا باللغة السريانيّة مع الأب فادي بولس اسكندر (من الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة) وترنيمة “إفرحي أيّتها الكنيسة” باللغة الأرمنيّة مع المرنّمة ميراي كوتوكجيان (من الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة). وبعد كلمة شكرٍ مع الأخ جان جاك لكلّ من ساهم في إنجاح لقاءات الشبيبة المسكونيّة هذه وللشبيبة الذين شاركوا ولكلّ الاختبارات المؤثرة التي سيحملها الإخوة من لبنان إلى فرنسا وإلى كلّ الشبيبة التي تزور Taizé من كلّ أنحاء العالم، مشدّدين على أنّ لبنان وفلسطين بخاصةٍ غزة سيبقون في قلب صلاتهم اليوميّة، كانت كلمة شكرٍ ختاميّةٍ مع الخوري جورج يَرَق، مرشد مكتب راعويّة الشبيبة البطريركيّ بكركي، شكر فيها إخوة الجماعة على تلبيتهم الدعوة وعلى ثقتهم الدائمة بالشبيبة. كما خصّ بالشكر عائلة مكتب راعويّة الشبيبة Bkerke Jeune على المبادرة والتنظيم مع إخوتهم من مكاتب الشبيبة ولجانها من كلّ كنائس لبنان، وذلك من خلال اللجنة التنظيميّة المسكونيّة التي عملت وتعمل وستعمل دائمًا بنعمة الله على تنظيم هكذا لقاءات تبني الوحدة والمحبّة والأخوّة بين كلّ أبناء الله لخير الإنسان ونمو الإيمان. وسلّم باسم اللجنة التنظيميّة مجسّمًا للوغو اللقاء المسكوني العالميّ للشبيبة لإخوة جماعة Taizé عربون شكر ومحبّة وتقدير. وأخيرًا، بعد الصورة الختاميّة حصل الشبيبة على هديةٍ تذكاريّة من الجماعة، تضمّنت رسالة ٢٠٢٥ رجاء يفوق كلّ رجاء وأيقونة الصداقة مع صلاة من الأخ ماثيو (مُصلّي الجماعة) وورقةً من شجر زيتون بيت لحم كبركةٍ وعلامةَ سلامٍ ورجاء.

No widgets found. Go to Widget page and add the widget in Offcanvas Sidebar Widget Area.